موسيقى نبيل عزام وصوت كريمة الصقلي يمنحان العالم لغة موحدة




موسيقى نبيل عزام وصوت كريمة الصقلي يمنحان العالم لغة موحدة
انسابت الموسيقى، أسالت دموع الناس، وانتزعت ابتساماتهم وتصفيقاتهم فوقفوا تحية تقدير وإجلال لمن أدى وبرع ولمن غنى فسحر وسافر بهم مسافات بعيدة، أعادهم إلى عصر الكلمة الرائعة، فصدق من قال إن الموسيقى توحد الشعوب، وتمد جسور التواصل بينهم، وإذ غرق الجمهور في حضرة الطرب الجميل فقد أعادَ إلينا التساؤلُ: هل يمكنه أن يصلح حال الأذن الموسيقية الحالية؟ هكذا تماهى جمهور هيئة أبوظبي للثقافة والتراث على مسرح أبوظبي بكاسر الأمواج مع اللحن الجميل والكلمة العذبة الأصيلة، مساء أمس الأول في الليلة السابعة من ليالي “أنغام من الشرق” الذي تنظمه الهيئة في دورته الثالثة، حيث أكد الموسيقار الفلسطيني الأصل الدكتور نبيل عزام أن الموسيقى هي لغة العالم حين جمع أكثر من 50 موسيقياً من مختلف أنحاء العالم ليعزفوا الأغاني العربية، وأثبتت الفنانة المغربية كريمة الصقلي أن الغناء ليس مجرد حفلة طرب، إنما هو حالة روحانية ترقى بالإنسان إلى أعلى درجات السمو الجمالي والأخلاقي، جاء ذلك في الأمسية الغنائية الرائعة التي أحياها الموسيقار الدكتور نبيل عزام قائد فرقة ميستو من لوس أنجلوس، والفنانة كريمة الصقلي، وبحضور هدى الخميس كانو، مؤسسة مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، و عبدالقادر زاوي السفير المغربي لدى الإمارات وحرمه نصيرة يوسفي، وعدد من الدبلوماسيين المعتمدين لدى الدولة وجمهور كبير من محبي الفن الأصيل.

أكدت هذه الليلة من ليالي “أنغام من الشرق” أن الموسيقى لغة إنسانية وحضارية، وأنَّ التراث الموسيقي والغنائي العربي تراث غني يحمل خصوصية وسحراً، وهذا ما استطاعت فرقة “ميستو” بقيادة الدكتور نبيل عزام إيصاله للعالم، فهي مؤلفة من جنسيات مختلفة وتعزف مقطوعات موسيقية عربية تمثل أركاناً أساسية في الموسيقى العربية بتوزيع جديد، وما لفت النظر وأبهر الجمهور، هو الأداء العالي لعزف الفرقة والتماهي مع الجملة اللحنية، فكان العزف منساباً ناعماً يتسلل للروح والقلب، ليخلق تواصلاً بين الفرقة والمسرح.

عزفت الفرقة في هذه الليلة، 13 قطعة موسيقية من المقطوعات الموسيقية العربية الخالدة بتوزيع موسيقي جديد لكل من محمد عبد الوهاب، ونبيل عزام وفريد الأطرش، تعنونت بـ”النهر الخالد” “وطني حبيبي”، “الكرامة” من ألحان نبيل عزام، “لحن الخلود”، “أنده عليك”، “كلموني ثاني” و”ليله ليله”، و”أنشودة الفن” التي أداها المايسترو نبيل عزام على الكمان فبرع في الحديث معه، حيث كان يكلمه فيطلق حنينه تشتبك معه بقية الآلات بأداء هاروموني مدهش، لينبهر الجمهور بأدائه الرائع.


تغني بالقلب
أمتع المايسترو نبيل عزام صحبة فرقته ميستو الجمهور، فيما تألقت الفنانة المغربية الأسطورة كريمة الصقلي بإحساسها العالي وتجسيدها لمعاني المفردات، حيث نجحت في الانتقال من طبقة صوتية لأخرى بسهولة وسلاسة، وبرعت في التجلي بصوتها صعودا وهبوطا تبعا لمعاني المفردة ودلالاتها، تألقت على مسرح أبوظبي بصوتها الرائع الذي أسر الجمهور، فغنت “ياحبيبي تعال” لاسمهان، “لا مش أنا” لمحمد عبدالوهاب، وصدحت بموال حر بدون موسيقى من كلمات عائشة الباعونية، ثم أدت بصوتها الرخيم “أنت عمري” للفنانة الكبيرة أم كلثوم، في انسجام تام وحرفي مع نبيل عزام مايسترو فرقة ميستو من لوس انجلوس ينبع من الخبرة والثقافة الموسيقية التي تحوز عليها كريمة الصقلي، مما أهلها للتألق أمام الجمهور بأدائها المذهل الذي غلفه العشق والحب فنجح عملهما معا، بل مشروعهما الذي ينبع من إيمانهما أن الموسيقى موحدة العالم والشعوب، وتحمل رسائل خير للعالم أجمع.

أكدت الصقلي من خلال أدائها أنها فنانة موهوبة منحازة إلى اللون الطربي الأصيل، وعاشقة بل متيمة بالغناء الصوفي الذي يدخلها في حالة نفسية روحانية تسمو بها وتحلق في عنان السماء، هكذا تقول كريمة أن الأغاني الصوفي تجعلها في حالة التسلطن ولا تشعر بوجودها على الأرض إلى حين انتهاء الأغنية، لها قدرات خاصة وقدرتها الكبيرة تكمن في تلوين الكلمات بصوتها الدافئ والمعبر، وبطبقات صوتها وإمكاناته استطاعت استخدامها بالشكل الصحيح، هذا الأداء القوي وحضورها على المسرح وقدرتها على التواصل مع الجمهور جعلتها تمتلك مواصفات المطربة التي تغني بقلبها، وما يخرج من القلب يصل إلى القلب على حد تعبير المايستو نبيل عزام، حيث قال عن أداء كريمة الصقلي: إنَّها تغني بعشق وإيمان وحب، ومن يفعل ذلك حتما ينجح، كريمة معطاء ومتواضعة جداً، وهي لا تغني بفمها، بل بقلبها، أداؤها رائع وصوتها أروع، وتتعامل بمرونة وتفاهم كبير مع كل أعضاء الفرقة، وهذا ما ينجحها ويجعلها متألقة.

سفراء الوطن العربي
عن فرقة ميستو وعن الموسيقى وعن هذه الأمسية يقول نبيل عزام في حوار خاص مع “الاتحاد”: ما أقوم به هو عن قناعة كبيرة جداً، وإيماني برسالتي في الحياة، كما هو دفاع عن العود وعن الحضارة والتاريخ العربيين، وعن الإسلام أيضاً، حيث لا أسمح للأجانب بالتفوه عن هذا الدين العظيم بكلمة، وهذا أقوله من خلال الموسيقى بهدوء، أجعلهم يطلعون على الحضارة والتاريخ والدين الإسلامي المتسامح من خلال هذه الموسيقى الأصيلة، ومن خلال الأشعار الصوفية، فلا أسمح أبداً بالتجني على الإسلام، وهذا كله من خلال النوتة الموسيقية، وباستخدام النغمة الموسيقية، أما الأوركسترا فهي قائمة على الأسس الحرفية الفنية والثقافة الموسيقية العالية، كما أن إيماننا بما نقوم به يجعلنا غير سطحيين في تناول بعض الموضوعات الموسيقية، وأعضاء الفرقة كلهم يتمتعون بقدرة عالية على التعبير بالآلات. يضيف عزام في نفس السياق، أصبحت لنا مجموعة من الموسيقيين، بل جيش من جميع الأعراق والديانات توحدهم هذه الموسيقى ويحركهم عشقها، وما يميزهم أنهم جادون جداً في أعمالهم، ومؤمنون برسالتهم الموسيقية، وبرسالتنا الحضارية التي تعرفوا عليها من خلال الموسيقى والطرب العربي الأصيل، فالموسيقى جعلتنا نتكلم نفس اللغة ونتشارك نفس العشق.

وعن عدد عناصر الفرقة، وعن كيفية تأقلم فرقة ميستو الأميركية مع المقام العربي، حيث تعزف الموسيقى العربية على ربع التون، أما الغربية فهي تعزف على نصف التون، قال عزام في هذا الإطار: إن الفرقة مكونة في الأصل من 50 عازفاً، ويحضر منها اليوم 45، وتشكل المرأة ثلث الرجال في فرقة ميستو، كما أنه تتواجد معنا امرأة تعزف على الإيقاع، ربما تلاحظون أن العمل ليس سهلاً، وكثير من الناس يصفونني بأنني متعصب وجدي أكثر من اللازم، لكن ما أقول إنني جدي، وأريد إتقان ما أقوم به.

أما عن سؤالك، فإنه مهم، وما أود قوله إن العشق والطلاع والبحث تسهل كل شيء ومن عشق الشيء يعطي أقصى ما عنده، وهذا ما يجمعنا في فرقة ميستو، كما أنهم وجدوا في المقام العربي جمالاً وجاذبية، وعاطفة كبيرة، اكتشفوا احتواءه لبذرة الطرب والأصالة، ومن الأسهل عليهم عزف بيتهوفن وغيره، لأنهم تربوا على ذلك، ولكن جديتهم وتدريباتنا طوال السنة جعلتهم يصلون لهذا المستوى العالي، ويعزفون الموسيقى العربية بأصولها، وأقول هنا إن عازفي ميستو سفراء للوطن العربي لأنهم يعملون على التعريف بحضارته، بكل معنى الكلمة.

وعن أكبر عضو في فرقة ميستو، قال عزام: أكبر عازف في الفرقة عمره 90 عاماً، وقد تخلف اليوم عن الحضور بسبب وعكة صحية ألمت بزوجته، أما القائدة الأساسية اليوم معنا هي العازفة ليونة وعمرها 80 سنة.

كريمة في نظر عزام
يقول نبيل عزام قائد فرقة ميستو الأميركية: كريمة تطرب الجميع، أداؤها رائع جداً، وعواطفها غزيرة، تتعامل مع الأغنية بحب فتراها تنبع من دواخلها وأعماقها، وتطلع من قلبها لتصل لقلب الجمهور مباشرة، وعندما أقود الفرقة وهي تغني فإنني أتسلطن على الخشبة كما تفعل هي، تقودنا جميعاً بصوتها الرائع، لها القدرة على الجمع بين كل الأصوات الخالدة، من اسمهان وأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب والطرب الأندلسي والأغاني الصوفية، وهي مطربة ذات مشروع وهدف، تتخطى كل الأمور المادية، وتحلق في الروحانيات، وهي من أكثر الناس تواضعاً، لأنها في نظري إنسانة مؤمنة بما تقوم به وعاشقة له.

عبدالقادر زاوي: مزيداً من العطاء
كما حضر سعادة عبدالقادر زاوي، السفير المغربي لدى الإمارات هذه الأمسية التي قال عنها: إنها أمسية استثنائية، ونحن بحاجة إلى تكريس هذا النموذج الذي يغزي الروح ويغسل النفس ويعيدنا إلى زمن الموسيقى والغناء الجميل.

وأود هنا أن أشكر هيئة أبوظبي للثقافة والتراث التي تعيدنا للثقافة الأصيلة، وهذا يثبت من جهة أخرى أن أبوظبي أصبحت قبلة رئيسية في عالم الفن والموسيقى الراقية.

هدى كانو: إتقان عالٍ جداً وأداء رائع
حضرت هذه الأمسية هدى الخميس كانو، مؤسسة مجموعة أبوظبي للثقافة التي لم تفارق محياها ابتسامة الإعجاب، ولم تخف استمتاعها بعزف فرقة ميستو من لوس أجلوس بقيادة نبيل عزام وأداء المطربة كريمة الصقلي حيث تماهت مع الأداء والعزف، وفي هذا الخصوص قالت في تصريح خاص لـ”لاتحاد”: أنا سعيدة جداً بحضوري في هذه الأمسية الرائعة من أمسيات “أنغام من الشرق” التي أسست له هيئة أبوظبي للثقافة والتراث بحرفية، وما أود أن أقوله هو إننا اليوم استمتعنا بعزف الموسيقى العربية على يد هذه الأوركسترا التي نجحت إلى حد بعيد في ذلك، حيث عزفت بإتقان عال جداً بروح الشرق، كان هناك سحر عجيب على المسرح، وما عرفنا قبلاً عزف موسيقى عربية بأياد أجنبية، وهذه أول مرة وبإتقان عال قاد الدكتور عزام الفرقة، ولم يأخذ فقط الموسيقى العربية، بل أسس مدرسة تعزف الموسيقى العربية، وهذا عمل جبار نقدره جداً، كما نقدر ما تقوم به هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، فهذا مهرجان عظيم ويجب أن نقف يداً واحدة لدعم هذا الإنجاز. وتضيف كانو في سياق موازٍ: الموسيقى العربية عظيمة يجب أن تحفظ، وأقول دائما يجب أن تدرس في المدارس، كما أنه أبهرني الأداء العظيم للمطربة كريمة الصقلي، وصوتها جميل.

«ميستو» .. مدرسة فكرية
تكونت أوركسترا ميستو حسب المعايير الغربية، على الرغم من إدماج بعض الآلات الموسيقية الخاصة بشعوب العالم المختلفة (التقليدية) مع الأوركسترا السيمفونية، تتعاون الاوركسترا مع مؤلفين موسيقيين ومؤدين متميزين، وهي تركز على أداء وتسجيل الأنماط والثقافات للموسيقى العالمية المختلفة مثل العربية وغيرها، وتسعى اوركسترا ميستو إلى توظيف هذه الأنماط الموسيقية العرقية المختلفة مع الألحان القديمة والتقليدية، وميستو تقوم ببناء الجسور للوصول إلى تفاهم بين الثقافات المختلفة بما تقدمه من موسيقى متعددة الأعراق.

وهي متخصصة في تقديم موسيقى من حضارات مختلفة. قائدها ومؤسسها الدكتور نبيل عزام الفلسطيني الأصل.

نجمة الغناء تدثرت بنتاج العمالقة

كريمة الصقلي: الموسيقى حوار الشعوب
لقبت بأسطورة الغناء العربي، جمعت بصوتها عمالقة الفن الأصيل، فغنت لأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب، ويتقاطع صوتها مع الفنانة اسمهان، إنها المطربة المغربية كريمة الصقلي التي لا زالت تبحث في عمق الموروث الثقافي والكلمة الأصيلة، تألقت على مسارح العالم، وتعد سفيرة الأغنية الأصيلة، كما عرفت بتخصصها في فنون الطرب العربي الأصيل من الموسيقى الأندلسية والموشحات العربية.

عن مشاريعها الحالية تقول: هدفي الأساسي ومشروعي الذي أعمل عليه ينبع من مبدأ أنَّ الموسيقى حوار الشعوب، والموسيقى هي التي نجحت في خلق التواصل بين الناس في كل أقطار الدنيا، ومن هذا الباب فقد غنيت على مسرح شومبرج shomberg في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس، بمرافقة أوركسترا مستو (MESTO) وغنيت لمدارس عصر النهضة، ورأيت أن أضع الطرب العربي في إطار عالمي واسع الآفاق. كريمة غنت من خزانة النهضة العربيّة الكلاسيكية، وأغنت الخزانة العالمية بزخم من الأغاني الأصيلة، وأعادت إحياء الكلمة الجادة العميقة.

على هامش مشاركتها في الدورة الثالثة من ليالي أنغام من الشرق التي تقيمها هيئة أبوظبي للثقافة والتراث على مسرح أبوظبي في كاسر الأمواج، كان لـ”الاتحاد” لقاء مع الفنانة التي يحلو لمحبيها إطلاق لقب أسطورة الغناء عليها، وهي تقول رداً على سؤال حول تعاونها مع الموسيقار العالمي نبيل عزام وفرقته مسيتو: يسعدني العمل مع الدكتور نبيل عزام، الذي يجمع في فرقته ميستو خيرة العازفين العالميين، وهو فنان فلسطيني مقيم في أميركا لمدة تزيد عن 30 سنة، حيث أخذ أعمالا عربية خالدة واشتغل عليها وأعاد إحياءها من خلال فرقته، وحصل أن سمع عني عندما غنيت في الأوبرا بمصر، واستدعاني إلى أميركا، وكان أول عرض قدمته مع فرقته ميستو في جامعة كاليفورنا بلوس أنجلوس، حصل ذلك في فبراير 2009، أعجب الناس بما قدمنا، وتفاعل معنا الطلبة هناك بشكل كبير. وتضيف كريمة في نفس السياق: لاحظت اهتمام الطلاب بالموسيقى العربية، ولديهم شغف بالتعلم والبحث في عمق الأغنية العربية الأصيلة، يغلف ذلك ابتسامة ومحبة كبيرة، هذا شجعني على المسير قدماً، وهذا التواصل جعلني أعتبر العمل مع الفرقة الموسيقية “ميستو”، مشروعاً حضارياً، يؤثت لحوار الشعوب.

وتؤكد الصقلي: إن الموسيقى العربية الأصيلة تستحق عزفها مع أوركسترا عالمية مثل ميستو، والأكيد أنه هناك كثيرا من الفرق العربية تعتزف أغاني عالمية مثل الجاز وغيره، فلماذا لا يكون الأمر في الاتجاهين، أي عزف الأوركسترا العالمية الأغاني العربية الأصيلة، وهكذا يكون هناك تبادل ثقافي حضاري موسيقي، يشمله حوار الحضارات، ففي نظري كل الإمكانات موجودة لخلق النجاح.

أبوظبي نكهة اللقاء المتجدد
تضيف الصقلي: أنا سعيدة بتواجدي في أبوظبي للمرة الثانية للمشاركة في أنغام من الشرق في دورته الخامسة، لسنة 2010، وتعتبر هذه أول مرة بالنسبة لي التي أقف فيها على خشبة بلد عربي مع هذه الفرقة الموسيقية “ميستو” من الولايات المتحدة الأميركية، وأتمنى أن يستمر التعاون بيننا مستقبلاً لتقاسم النجاح مع الجماهير العربية في كل أنحاء العالم العربي، وما أود قوله هنا إن الموسيقى ليست لها هوية، وهي لغة العالم والشعوب، فعندما نرى فرقة أميركية تعزف لعمالقة الموسيقى الكلاسيكية بقيادة الدكتور نبيل عزام، فهذا شيء رائع، وتعتز كريمة بمشاركتها في أنغام الشرق وتقول: “أعتز كثيراً بمشاركتي في “أنغام من الشرق” للمرة الثانية، وأشكرهم جزيل الشكر على تقديم الدعوة لي مرة أخرى، وهذه المرة تعتبر سعادتي أكبر كوني سأشارك مع الفنان الدكتور المايسترو نبيل عزام، وما استضافة أبوظبي لهذا المهرجان الموسيقي المميز إلا تقديرا ووعيا بالدور الثقافي في النهوض بالشعوب، وهذه رسالة بأن الفن الجميل والعريق له عشاقه ومحبوه وهذا الحدث الكبير هو رد الاعتبار للطرب العربي الأصيل.

كما أعتز بمشاركتي في كل المهرجانات المغربية، ولي تجربة كذلك في فنلندا، حيث سجل الحفل حضوراً كبيراً من الأجانب، وتفاعلاً كبيراً، وقدمت خلال هذا الحفل ربيرتوارا من الأغاني الروحانية، هذا بالإضافة إلى الكثير من المشاركات في جميع أنحاء العالم”.

الغناء الصوفي
عن اهتماماتها الحالية تقول كريمة الصقلي: اهتمامي اليوم ينصب على الشعر الصوفي، يحكمني عشقي لهذا اللون الغنائي، وتحركني الكلمة المؤثرة، والشعر الصوفي به من العمق الروحاني ما يجعلني معجبة جداً به. وأميل لهذا الإبداع الأدبي، حيث إن الشعر الصوفي يجعلنا نذهب لحال لا نسعى إليها، نسافر بعيداً في عمق المعنى والكلمات، هكذا أعمل اليوم على شعر أبو الحسن الشوشتري، وهو أمير أندلسي، وقد شاركت في مهرجانات الموسيقية الروحية بفاس، منذ دوراته الأولى، كما شاركت في مهرجان فاس للثقافة الصوفية حيث قدمت أغاني من أشعار الشوشتري.

كريمة ومحمود درويش
كريمة الصقلي التي عرفت بتخصصها في فنون الطرب العربي الأصيل من الموسيقى الأندلسية والموشحات العربية، قدمت وصلة غنائية “يطير الحمام” حيث اقتحمت تجربة جديدة لتكمل مشوارها الإبداعي الناجح، إذ طرقت باب العالم الشعري لعملاق القصيدة العربية الحديثة، محمود درويش، وكان ذلك في موسم أصيلة الثقافي المغربي حين صنعت الفنانة الصقلي المفاجأة في الحفل التكريمي الذي أحياه الفنان مارسيل خليفة، تحية لموسم أصيلة الثقافي ولذكرى الشاعر الراحل، وعن هذه المشاركة تقول الصقلي: أديت وصلة غنائية بعنوان “يطير الحمام”، الرائعة الغنائية المطولة لمحمود درويش.

وتضيف كريمة: ظهوري إلى جانب مارسيل لن يكون مرحلة عابرة، وإنما هو مشروع ممتد يفتح آفاقاً واسعة لتعاون مثمر، لرفع راية القيم والمبادئ. كما اعربت عن سعادتها بهذه التجربة مع مارسيل خليفة، وتحدثت عن تعاونها مع المطرب التونسي لطفي بوشناق حيث قالت إنها التقته للمرة الأولى في عام 2000 عند مشاركتهما في مهرجان الموسيقى العريقة الذي ينظم سنوياً بفاس، وأثمر هذا اللقاء في 2006 عملاً فنياً ثنائياً طربياً بعنوان “وصلة”، وهو من كلمات الشاعر الغنائي، آدم فتحي، وقد تبنَّاه معهد العالم العربي بباريس.

الصقلي واسمهان
وتؤكد الفنانة كريمة الصقلي التي أهلها صوتها وثقافتها الموسيقية وتشبعها من وسطها الفني على الحصول على تأشيرة الدخول لعالم رواد الفن الأصيل، ويعتبرها الكثير من العشاق امتداداً للفنانة الكبيرة أسمهان وتقول عن ذلك: لا أعتبر نفسي امتداداً لاسمهان ولكني أتدرب في مدرستها الكبيرة، وترجع بداياتي المبكرة إلى السنوات الأولى من عمري، حيث غنيت في سن التاسعة بالمدرسة، كما غنيت في سن 16 سنة لأم كلثوم، لكن خوف والدي علي من مغريات الحياة حيث كان محافظاً جعلني أتأخر قليلاً في الغناء، وبعد أن تزوجت أصبحت أوكل كل وقتي للاهتمام ببيتي وأولادي الثلاثة (الحبيب، ملاك ومريم)، لكن كل هذه المسؤوليات لم تحد من موهبتي بل زادتها اشتعالاً، وفي يوم دخلت المعهد الموسيقي ومن هنا بدأت تتفجر طاقتي من جديد، كان تراكماً في الظل يزودني بشحنة واندفاع نحو الغناء، وكم مرة تمنيت الغناء لدرجة البكاء.

عشق الغناء
تقول كريمة عندما تخطى أولادي مرحلة الطفولة، حركني عشقي للغناء وقررت الغناء بصوت أعلى، وانفجرت طاقتي التي كادت تخنقني، وانطلقت بشكل فعلي في سنة 1999 عندما أديت على مسرح الأوبرا المصرية للمطربة الكبيرة اسمهان، حركني عشقي وقوة ما بداخلي، واستقبلتني الجماهير بكثير من الانبهار والمحبة والتصفيق الأمر الذي شجعني كثيراً، رجعت للغناء بعدما دخلت معهد الموسيقى لصقل موهبتي، وإلى اليوم لا زلت أدرس وأصقل مهاراتي وأهتم بقواعد الغناء. لأنني أعتبر الغناء الأصيل الجيد مسؤولية، وعندما يتحرك الإنسان نحو شيء بحب واندفاع وعشق فحتما سيتألق وسيبحث عن طرق النجاح الجيدة”.

ربيرتوار كريمة
عن سابق أعمالها تقول كريمة الصقلي: “التقيت سابقاً الملحن وعازف العود سعيد الشرايبي والشاعر عبداللطيف جواهري (صاحب رائعة القمر الأحمر) حيث غنيت له “ظلال” و”العشاق” و”خبئ الشمس”، و”طفولة الحجر”، ومن تم تعاملت مع الدكتور عبد العزيز خوجة وزير الثقافة والإعلام السعودي، وغنيت له “أغار” من ألحان نعمان الحلو، كما انجزت ربيرتوار من الأغاني الصوفية لكبار الشيوخ الصوفية كابن عربي وذي النون المصري وعائشة الباعونية، وغنيت ذلك في افتتاح مهرجان فاس للموسيقى الروحية، وشاركت بـ14 أغنية للمطربة اسمهان في افتتاح مهرجان بيت الدين في لبنان، وكان ذلك بتنسيق كبير، حيث كنت أغني وفي نفس الوقت تعرض أفلام اسمهان على شاشات عرض ضخمة للجمهور تؤرخ لحياتها”.


لكبيرة التونسي - جريدة الإتحاد الإماراتية