لجريدة الإنتفاضة : من العيب أن نرى كل هذه الملايير تصرف في مهرجانات لا تحترم الفنانين المغاربة، وتُغدق بسخاء على الفنانين الأجانب




كان اللقاء ممتعا مع المطربة المغربية والصوت الشدي كريمة الصقلي، استقبلتنا بحفاوة بالغة، وتحدثت لنا عن كل ما يخالج  صدرها حول الفن المغربي الأصيل، والأغنية الطربية التي تعتبر أحد وجوهها البارزة في الساحة العربية، تحدثت عن مهرجانات المغرب الكثيرة، واعتماداتها المالية الضخمة.
تكلمت عن تقدير كبير لشخصها وفنها في الخارج، ولا تحظى بنفس التقدير  في بلدها المغرب.
لقد اكتشفنا في كريمة الصقلي، الإنسانة المبدعة التي تحترم وتحب فنها وتحترمه، واالأم الحنون التي تتابع مسيرة أبنائها بكثير من العناية  والحب والتربية على الأصالة وحب الوطن.
كانت كريمة، كريمة في كل شيء، وكان الحوار معها شيقا إلى أبعد الحدود.

*  الفنانة كريمة الصقلي بعد عشر سنوات من الشهرة و النجومية، كيف تقدمين نفسك الآن لقراء جريدة الانتفاضة؟
-  هي فعلا عشر سنوات مضت، لكن أعتبر نفسي أني مازلت في أول الطريق

*غنيت أغدا ألقاك في سن التاسعة من عمرك، كيف تم اختيارك لهذه الأغنية؟
- بالنسبة لأغنية أغدا ألقاك لم يكن اختياراً بل كان الأمر تلقائي، لدرجة أني كنت أسمعها و أرددها بعد ذلك بدون معرفة تامة بالكلمات، و التمكن الجيد من نطق الحروف.

* عرفت أكثر لدى الجمهور بتأديتك لأغاني أسمهان، من أين جاءك هذا العشق لهذا اللون الغنائي؟-
أولا نشأت في وسط فني كان يمزج بين الموسيقى العربية و المغربية، وكذلك الكلاسيكية إلى جانب تكويني في عدة مدارس كمدرسة السيد محمود درويش، و أحمد البيضاوي و عبده الحامولي، و كذلك أسمهان حيث كنت أتخذ هذه الأخيرة للمتعة و التمرين، و غنيت لها تكريما لصوتها الذي لم يحظى بالاهتمام الكافي في تاريخ الموسيقى العربية، و الأعمال الفنية الرائعة الملحنة من طرف الشاعر و الملحن العبقري محمد القصبجي.

* ما هو رأيك في الموجة الموسيقية الجديدة الموجودة الآن في الساحة المغربية؟
-  أرى أن الموسيقى المعاصرة الآن تأخذ طابع التطبع و ليس الطبع، و هذا ناتج عن انعدام ثقافة تمزج بين الثقافة العربية و الغربية، وكذلك عدم وجود دراسات كافية على مستوى الإيقاعات و المقامات.

*  حديثك عن مدرسة الرواد وعن الموسيقى المعاصرة يحيلني إلى سؤال آخر، كيف تجدين هذه المدرسة الآن هل هي تحتضر أم أنها دائمة القوة و الحيوية بفضل مطربين كأمثالك؟
- أظن أنها جريمة في حق هذا الفن العريق، ليس بإمكاننا فعل شيء آخر كأفراد، و نحن لا نتوفر على الإمكانيات اللازمة للتغيير، لكن يمكن لنا في حالة وجود صلة و انتقالات مشروعة بين جسر و آخر أن نحافظ على هذا الفن العظيم، أما في حالة عدم توفر الإمكانيات فمن العار رؤية  اندثار هذا التراث الهائل، و الغني جدا.

*  هل أنت مع التنوع و الحداثة في الموسيقى المغربية؟

-  نعم فأنا منفتحة ثقافيا، و على كل أنواع و أشكال الموسيقى، لكن يجدر بنا بصفتنا مواطنين و مسؤولين عن هذا التراث أن نفتخر به و نحافظ عليه.

*  هذا أيضا يؤدي بنا إلى سؤال آخر لكن هذه المرة بالمغرب، ما رأيك بخصوص المهرجانات التي تخصص لها مبالغ ضخمة جدا لضيوف أجانب مع إهمال نجوم مغاربة؟
-  ليس العيب أن نلهو، لكن العار كل العار، هو التلاعب بهذه المبالغ الطائلة، في الوقت الذي  نعاني فيه من خصاصة في شركات الإنتاج، و المعاهد الموسيقية و المراكز الثقافية للأطفال، أما من جهة الاستثمار الفني فهذا جيد، لكن بشرط أن يحقق التوازن بين الفنان الأجنبي والفنان المغربي.

* نعود الى سنة 1999 عندما أديت أغاني أسمهان بدار الأوبرا بالقاهرة، هل لك أن تعيدي لنا حكاية هذه القصة؟
-  نعم بكل فرح، كانت مشاركتي بالقاهرة مباشرة بعد مشاركتي في مهرجان حلق الوادي في تونس في دورته الخامسة و العشرين، لقد تم اختياري لتأدية بعض أغاني أسمهان بمناسبة تكريمها، ولأول مرة بالمسرح الكبير بدار الأوبرا في القاهرة، فبالطبع لم يكن سهلا الوقوف أمام جمهور دار الأوبرا لأول مرة، لكن الحمد لله خوفي و توتري زالا بعدما طلب مني ملحن كبير هو الدكتور جمال فوق خشبة المسرح وكذلك الجمهور بإعادة الأغنية بكاملها، فهنا لامست التجاوب الذي لم أكن أنتظره، و الإعجاب الظاهر كالبريق اللامع في عيونهم.

*  أديت حفلات في أكثر من 15 دولة، و في أكثر من 80 ليلة و أمسية طربية، فمن هي أقرب أمسية إلى قلب الفنانة كريمة الصقلي؟
-  بصراحة لا يمكنني التمييز بين الحفلات، لأنه في كل مشاركاتي أحس بالفرحة عندما أرى حضورا غفيرا داخل الصالة مع ابتسامات مرسومة على الشفاه، لكن بعد الحفل مباشرة أعيد مشاهدة الحفل لمعاتبة نفسي على بعض الأخطاء التي ارتكبتها في حين أنه كان بإمكاني تجنبها.

*  الكاتب الكبير سيار الجميل وصفك في مقالة رائعة بأنك ظاهرة أطلسية وسيدة الطرب العربي الآن، كيف تنظرين إلى هذه الشهادة؟
-  قبل الإجابة سأستغل الفرصة لأتقدم بالشكر الجزيل للكاتب و المؤرخ و الصحفي سيار الجميل على مقالته الرائعة التي هي شهادة تجعل القلب يرقص فرحا، لكن بصراحة فهي تخجلني و تزيد من تكليفي قبل تشريفي.

*  شاركت السنة الماضية في شهر ماي في مهرجان أنغام من الشرق بمدينة أبو ظبي، بليلة كاملة كانت من أروع السهرات، حيث صرحت لإحدى الصحف الإماراتية بان إمارة  أبو ظبي أعادت الاعتبار للأغنية الطربية، كيف خلصت إلى ذلك؟
- نعم سأقولها و أعيدها كلما سنحت لي الفرصة لماذا؟ لأنهم أناس (الإماراتيون) يحترمون و يقدرون هذا التراث بتوظيف كل إمكانياتهم لترويجه و إحيائه.

*  لو قارنا إمارة أبوظبي بالمغرب هل سنجد أن المغرب كذلك أعاد الاعتبار للأغنية الطربية؟

-  بالطبع لا، لأنهم يعتبرون هذه الأعمال الموسيقية على أنها مجرد أعمال ثقافية و ليست شعبية ولن تجد الاستقبال و الاهتمام من طرف الجمهور المغربي، لكن حاش ولله فالناس لها ذوق وحس فني، و لديها كذلك ثقافة موسيقية راقية ومثالا على ذلك لو توجهنا الآن إلى المدن القديمة في المغرب، سنجد أن أغلبية الصناع التقليديين الذين أكن لهم كل التقدير و الاحترام يستمعون إلى أم كلثوم و أحمد البيضاوي وغيرهما من رواد الطرب والغناء الأصيل.

*  الموسيقى الأندلسية هي وجه مشرق آخر لكريمة الصقلي، تحدثي لنا عن كريمة الصقلي الأندلسية؟
-  بالنسبة للأندلسي فهو يعتبر من التراث الشعبي العريق، و أذكر أنه في صغري كنت استيقظ على نغمات موسيقية أندلسية بدل المنبه، لذا فانا مولعة به حتى النخاع، و أغنيه كمغربية و ليس كمحترفة، ومن هذا المنبر فإنني أتمنى من كل مغربي أن يحفظ على الأقل النشيد الوطني و التراث الغني بهدف تحقيق التوازن الثقافي.

*  هل لديك برنامج مستقبلي بخصوص الموسيقى الأندلسية؟
-  نعم، أولا لي كل الشرف أن أشتغل على الموسيقى الأندلسية، متمنية من أعماق قلبي أن أجتهد أكثر و أكثر لكي لا تندثر، أما بخصوص البرنامج ففي القريب العاجل سأشارك في مهرجان الثقافة الصوفية بعرض السماع وهو نوع مشتق من الأندلسي كاد أن يختفي لولا الزوايا التي احتفظت به، بعد ذلك سأؤدي أشعارا لأبي الحسن الشوستري، إلى جانب تسبيحة الأرواح  بإعانة من الدكتور عبد الإله بن عرفة، و الدكتور و الباحث محمد الحراق من الرباط.

*  سأنتقل بك إلى مجال السينما، شاركت مع المخرج أحمد بولان في فيلم ملائكة الشيطان، احكي لنا عن هذه التجربة ولماذا لم تكرريها مع  مخرجين آخرين؟
-  هي تجربة عشتها و أديتها على أساس أنها حقيقة، وليس كتمثيل بالرغم من أنها أول تجربة لي مع السينما لكن استغليت دوري في المجتمع كربة بيت و كواحدة من العائلة الموسيقية لأداء دور سيدة تشتغل في العمل الجمعوي، تأخذ بيد هؤلاء الشباب الذين يعيشون ظاهرة موسيقية جديدة و غريبة على المجتمع، أما بخصوص إعادة التجربة مع مخرجين آخرين لما لا، لكن بشرط أن أمثل الصورة الحقيقية للسينما الراقية.

*  شاركت في مجموعة من الحفلات تنظمها مؤسسات تدعو إلى حوار الأديان و الثقافات، ماهو رأيك باستعمال الموسيقى في الدعوة إلى هذا الحوار؟
-  الموسيقى هي حوار قبل كل شيء، إذ تختلف من جيل لآخر، ومن لغة إلى أخرى و كذلك من ثقافة إلى أخرى، لكن الهدف الوحيد هو تحقيق التواصل.

* متتبع وسائل الإعلام المغربية و الأجنبية يلاحظ أن حضورك في وسائل الأعلام الأجنبية كثيف على عكس الإعلام المغربي، كيف تنظرين إلى هذه المفارقة؟
-  نعم هذا شيء طبيعي لأن الآخرين هم أناس يقدرون الشخصية الفنية، لأن الفنان ليس فقط فوق خشبة المسرح بل لديه أفكار و مبادئ و أخلاق.
مؤخرا سافرت بدون أي برنامج إلى الدوحة عاصمة الثقافة العربية، وذلك للتعرف عن قرب على بعض الأعمال التي اقترحت علي، فبالطبع أثناء وصولي انتشر الخبر بين الصحفيين ومنهم الأخ حسن الراشدي الذي اتصل مباشرة بإدارة الجزيرة لإبلاغها بالأمر، والتي استدعتني في برنامج «مباشر مع» لمدة 50 دقيقة، وبعد ذلك اتصلت بي قناة الحرة للمشاركة في برنامج المبدعات في الموسيقى عبر التاريخ. أما في المغرب فنحن لا نعاني الفقر في برامج السهرات و الحفلات، بقدر ما نعانيه في البرامج الحوارية الثقافية، و البرامج الإعلامية الثقافية اليومية، مؤخرا شاهدت برنامجا حواريا في إحدى القنوات التلفزية المغربية (قناة الرياضية) و تمنيت بأن تعمم هذه المبادرة في القنوات المغربية الرئيسية وأقد الأولى والثانية، لكي تحظى بمشاهدة أكبر.

* كان مولدك بالدار البيضاء، وبعد زواجك اخترت مراكش، و دائما تؤكدين على أن إقامتك لن تكون في غير المدينة الحمراء ، لماذا؟
- مراكش تحدث عنها أولياء الله الصالحين، و الشرفاء و حتى الناس الذين لم يروها تكلموا عنها، فبالأحرى أنا، مراكش أعتبرها كالمرأة الجميلة التي تختبئ وراء لون غير ملفت لكي لا تكشف عن أسرارها، و عن جمالها، و سحرها الذي يجدب الزائر، ومنهم أنا، إنني بحق وبصدق وقعت في عشق وحب هذه المدينة الساحرة.

*  في حوارات كثيرة لك مع مجموعة من الصحفيين سئلت عن الفيديو كليب، هل يوجد لديك مشروع إنتاج فيديو كليب أم أن الأمر مؤجل في هذه المرحلة؟
-  في الحقيقة أنا مع الفيديو كليب لأنه عمل يجمع بين الصورة و الصوت مما يجعله راسخا في عقول الناس، لكن  أن يتم الاشتغال على العمل المصور بكل إخلاص ووفاء للأغنية، واستعمال مفهوم الجمال باحترام، و بالشكل الصحيح، وليس استغلال جزء منه للإثارة، وذلك لكي لا نقع في واقع الأغنية المصورة الآن، الكلام في اتجاه و الصورة في اتجاه آخر لا علاقة له بالصورة.

*  الفنانة كريمة الصقلي الأم و المربية، كيف تقومين بهذه الأدوار وسط تنقلاتك الكثيرة؟
-  أحاول دائما أن أحقق التوازن بين عائلتي و عملي، لكن أجدني دائما أحس بالذنب عندما أفكر بأن أبنائي في أمس الحاجة إلي، لذلك في أغلب الأحيان أضطر إلى التنازل عن العمل مقابل البيت.

* ما هو برنامجك لما تبقى من سنة 2010 ؟
- لدي مشاركة في جمعية الدبلوماسيات العربيات بالرباط.
-  مشاركة في مهرجان الثقافة الصوفية بفاس في دورته الرابعة .
-  عمل في أبو ظبي في 14 ماي المقبل مع الاوركسترا الأمريكية، برآسة الدكتور نبيل العزام .
-  مشاركة يوم 4 يونيو بأمستردام في إطار تواصل بين الثقافة الهولندية و الثقافة المغربية.

*  في تجربتك الفنية هناك غنى في نظرتك للموسيقى و في الأداء و الطرب، ألم تخطر على بالك فكرة تدوين و تأريخ هذه التجربة؟
-  نعم اكتب بعض الأشياء، ولكن إلى حد الآن لم تتبلور لدي فكرة التدوين.

* هؤلاء في كلمات؟
-  سعيد الشرايبي:  عازف متميز على آلة العود.
- أ م كلثوم:  محظوظة ببيئة جعلت منها أم كلثوم.
- اسمهان:  نجمة احترقت، إنها صوت الكريستال.

*  كلمة أخيرة
-  أنا جد سعيدة بهذا الحوار الذي طغى عليه جو روحاني يجعل الإنسان يعبر و يفصح عن كل ما يخالج صدره

حاورها من مراكش : مولاي محمد اسماعيلي
جريدة الانتفاضة