الفنانة المغربية كريمة الصقلي في الأونيسكو : الحنيـــن ممزوجـــاً بالأصالـــة




الفنانة المغربية كريمة الصقلي في الأونيسكو : الحنيـــن ممزوجـــاً بالأصالـــة
بعد أن «اكتشفها» الجمهور اللبناني قبل ثلاثة أعوام تقريبا، في مهرجانات «بيت الدين» (العام 2008)، عادت الفنانة المغربية كريمة الصقلي إلى العاصمة اللبنانية هذه المرّة، لتحيي حفلا غنائيا في قصر الأونيسكو في بيروت (مساء الأربعاء الماضي)، لتزيد في تمتين هذه العلاقة مع الجمهور اللبناني الذي توافد بكثرة علّه يشاهد ليلة أخرى من «ليالي الأنس»، لكن لا في «فيينا» بل في العاصمة. ولم يكن مخطئا بذلك، إذ حملته صاحبة «الصوت الذهبي» (كما يُطلق عليها) على أجنحة عالية لتحلّق به فوق مناخات غنائية وطربية، لا نتوقف عن استعادتها، عبر أصوات مختلفة، أقصد أن عديدين يحاولون، في الغناء الطربي، استعادة هذا الريبرتوار ويقدموه، عبر خاصياتهم. لكن بالتأكيد، قلّة تنجح في ترك بصمتها الخاصة، ومن هذه القلّة، لا بدّ من أن نعترف بهذه القامة الوارفة التي تأتي من المغرب: كريمة الصقلي، التي تثبت من يوم إلى آخر، أنها واحدة ممن سيسمون هذا الفن بشكل فعلي.

في حفلها الماضي، ضمن مهرجانات بيت الدين، استعادت الصقلي ذكرى الكبيرة أسمهان، عبر أغانيها المتعددة. يومها لم نستعد هذه البصمة التي تركتها، في الغناء العربي وحسب، بل أيضا هذه البصمة الواضحة في ثقافتنا برمتها. تحيّة لقيت يومها الاستحسان من الحضور، وبخاصة أنها أتت من فنانة، تعتبر اليوم رمزا جديدا من رموز الطرب في الغناء العربي.
صحيح أن أسمهان عادت لتحضر في بعض الأغاني التي قدمتها الصقلي في حفلها البيروتي، لكنها لم تتوقف عند هذه النقطة – وإن أثبتت الفنانة المغربية الشابة علو كعبها – بل أخذتنا عبر مناخات متعددة، لنستعيد معها فضاءات جميلة، متنوعة، لنستعد مناخات لحنية وطربية مختلفة آتية من عدة سياقات، وهي بهذا المعنى، تشي بقدرة الصقلي على التأقلم مع النغميات المختلفة، بدون أن تنسى تقديم واحدة من أغانيها الخاصة (ألحان لطفي بشناق، بعنوان «حبينا حبينا»).

يكفي أن ننظر إلى الريبرتوار الذي قدمته في حفلها لنتيقن من هذا التنوع الكبير الذي قُدم إلينا: «فرّق ما بنا»، (القصبجي)، «آمنت بالله» (فريد غصن)، «أنا والعذاب وهواك» (عبد الوهاب)، «حبيبي يسعد أوقاته» (زكريا أحمد)، «ليالي الأنس» (فريد الأطرش)، «بعتلك يا حبيب الروح» (زياد الرحباني)... الخ. تنوع يتطلب بالدرجة الأولى هذه المهارة الصوتية المتفردة، كي يستطيع أي مطرب أن يؤدي هذه «السلالم» الموسيقية المتفرقة، وهذه المناخات التي تشكل محطات دامغة في ذاكرة الكثيرين.


الفنانة المغربية كريمة الصقلي في الأونيسكو : الحنيـــن ممزوجـــاً بالأصالـــة
صوت مدهش
إذ لا بدّ لأغان مثل «إمتى حتعرف» و«فرّق ما بينا الزمان» و«القلب ولا العين» (سعاد محمد، ألحان محمود الشريف) أن تعيد الكثير من حنين لزمن لم يعد موجودا، على الرغم من أن غالبيتنا
لم تعرفه، بيد أنه قائم وحاضر عبر هذه الذاكرة المتوارثة. لكن أهم ما كان في غناء الصقلي في حفلتها، أنها تنسيك أن تدخل في لعبة المقارنات مع الأصل على الرغم من أنها تغني بإحساسها هي، أي لا ترغب أبدا في الدخول إلى لعبة التقليد.

ثمة بالتأكيد إضافات شخصية، حملتها ابنة المغرب العربي في غنائها لكلّ هؤلاء الفنانين الكبار، إضافات قد تكون آتية من ثقافة المغرب العربي، لكن تختلف هنا عمّا قدمته في حفلها قبل سنوات في بيت الدين. يومها، أحسسنا أنها آتية إلى عالم المشرق الغنائي من دون أن تنسى عالمها الخاص، كأنها غنت لأسمهان يومها من دون أن تمحو بين هذين «العالمين»، وكأننا شعرنا باختلافهما. مع حفلها البيروتي، تخطت هذه العقبة، إذا جاز القول، تخطت هذا الفارق لتقترب كثيرا من الطرب المشرقي، وكأنها واحدة من أترابه الفعليين، لتحمل الحفل بأسره على كاهلها، حين كان يُقصر الموسيقيون الذين معها (بدون أن نعود إلى أخطائهم المتكررة) في مجاراة هذا الصوت الكبير، المدهش.

من هنا، وليس انتقاصا من قيمة أحد، أعتقد أنها كانت تستحق عازفين من طينة مختلفة، أكثر «احترافية» في هذا النوع، إذ لا بدّ من أن تشعر، على الرغم من مهارتهم (أي الموسيقيين) أنهم يأتون من فكر موسيقي مختلف، من مناخات أخرى، لا أعتقد أنها تتناسب مع هذا اللون الذي اتحفتنا به الصقلي.
في أي حال، تجربة جديدة قدمتها لنا الصقلي، وهي تستحق فعلا أن نوسع لها مكانا كبيرا ومكانة حقيقية في خارطة الغناء العربي الأصيل. إذ قلّة هم اليوم الذين يعرفون كيف يأخذون المستمع إلى هذه اللحظة الانتشائية التي تخطفك ولا تتركك بسهولة.

كلمة أخيرة لا بد منها وهي أن الفرقة الموسيقية تألفت من غسان سحاب (قيادة وقانون)، عفيف مرهج (عود)، طوني سويد (ناي)، علي حسن ومحمد البرفت ووائل سمعان (كمان)، ربال كلاّب (تشيلو)، بشار فران (كونترباص)، جوزف سجعان (أكورديون)، سلمان بعلبكي (رق)، خالد ياسين طبلة

أ ح